أبواب الجنة و.. باب الريان للصائمين
الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام، وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
الجنة في اللغة: هي البستان كثيف الشجر، قال تعالى (ودخل جنته وهو ظالم لنفسه) [الكهفـ 35].
والجنة التي وعد المتقون هي رحمة من الله لمن آمن به وعمل صالحا، قال تعالى (قل أؤنبئكم بخير من ذلك للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها) [آل عمرانـ 15].
وإذا كان الإنسان يعمل في الدنيا لكي يحسن مستقبله الدنيوي فلا يغفل عن مستقبله في الآخرة، وإن كانت الدنيا لا تقاس بالآخرة، قال تعالى (والآخرة خير وأبقى)، وفي صحيح مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: »إنما مثل الدنيا في الآخرة كأن يضع أحدهم إصبعه في اليم، فلينظر بما يرجع«.
تصوروا هذا المثال ومن أسلوب التعليم الذي كان يستعمله النبي صلى الله عليه وسلم ضرب الأمثال فإنها تقرب للأفهام، المثال يقول تضع أصبعا في ماء البحر فكم يعلق بهذا الإصبع؟! (قطراتـ قطرتانـ قطرة)، إنه يأخذ شيئا لا يكاد يذكر فهكذا حال مدة الدنيا مع الآخرة، وهذا للتمثيل وإلا فالدنيا لها نهاية، والآخرة لا نهاية لها. إذ إن العاقل يعمل لذلك المستقبل ويطلب رضا الله والنجاة من النار والفوز بالجنة، قال تعالى (فمن زحزح عن النار وأُدخل الجنة فقد فاز).
الجنة وأبوابها
أول من يفتح له باب الجنة هو رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وهذه إحدى الشفاعات الخاصة به، وورد في أبواب الجنة أنها مسيرة كذا وكذا من سعتها، وأنه سيأتي عليها يوم وهي كظيظ من الزحام لكثرة داخليها فاحرص على أن تكون معهم.
باب الريان خاص بالصائمين
من أبواب الجنة "الريان"، عن سهلـ رضي الله عنهـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم يقال أين الصائمون؟ فيقومون فإذا دخلوا أغلق" [رواه البخاري[.
تأملوا اسمه الريان، والري ضد العطش، وفي هذا الشهر نعرف نعمة الله بالماء الذي يوم القيامة يُحرم منه الكافر عقوبة له لمخالفته أمر ربه، قال تعالى (ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين).
هل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟!
هذا السؤال طرحه السّباق إلى الخير أبو بكر الصديقـ رضي الله عنهـ سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك لحرصه على الخير، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرةـ رضي الله عنهـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة"، فقال أبو بكرـ رضي الله عنهـ:بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما على من دُعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يُدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال:"نعم، وأرجو أن تكون منهم".
إنه أبو بكر الصديقـ رضي الله عنهـ لم يسأل عن باب واحد بل سأل هل من الممكن الدخول من الأبواب كلها؟ إنها الهمة العالية، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم "نعم وأرجو أن تكون منهم"، رضي الله عن أبي بكر وجمعنا به في الجنة.
تمشي الهوينا وتأتي في الأُول من لي بمثلك يا بطل
ماذا بعد الدخول من أبواب الجنة؟
إنها الجنة التي أعدها الله للمتقين، إنها الجنة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم "فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" [رواه البخاري].
نعيم لا ينفد وقرة عين لا تنقطع، لا آلام ولا أحزان، لا هموم ولا ملل، لا مستشفيات لأنهم لا يمرضون، شباب دائم فهم لا يهرمون، أنس دائم وسعادة أبدية.
أنهار الجنة
فيها أنهار تجري، قال تعالى (ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار) [المجادلةـ 22]، وقال تعالى (لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير) [البروجـ 11].
شجر الجنة
عن سهل بن سعدـ رضي الله عنهـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها" [متفق عليه].
فيها الحور والقصور
قال تعالى (فيهن خيرات حسان فبأي آلاء ربكما تكذبان حور مقصورات في الخيام) [الرحمنـ 72]، وقال تعالى (وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون)، أما المساكن فيقول الله تعالى (ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم) [الصفـ 12].
سوق الجنة
عن أنس بن مالكـ رضي الله عنهـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن في الجنة لسوقا يأتونها كل جمعة" (رواه مسلم)، والذي يرغب في أن يأتي ذلك السوق فعليه بالعمل بطاعة ربه في هذه الدنيا والا يحرم من دخوله في الآخرة.
أهل الجنة يأكلون ويشربون ما لذ وطاب
الأكل والشرب إن كان بقصد التقوى على طاعة الله فله بذلك أجر والإنسان يجد لذة في الأكل والشرب وعليه أن يشكر الله على ذلك وأهل الجنة يأكلون ويشربون ويقال لهم هنيئا، قال تعالى (كلوا وأشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية) [الحاقةـ 24]، إنهم عملوا في أيام الدنيا فحصل لهم هذا العيش الطيب، قال تعالى (يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون) (الواقعة: 17 ـ 22].
ذكر عن أحد السلف أنه كان يرى الفاكهة ولا يستطيع شراءها أو الإكثار منها، فسُئل عن ذلك، فكان يقول: الموعد الجنة إن شاء الله. لماذا كل ما نراه نريد أن نحصل عليه، القناعة طيبة والدنيا أمرها هين، المصيبة في فوات الآخرة، عن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يتفلون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون"، قالوا: فما بال الطعام والشراب؟ قال:"جشاء ورشح كرشح المسك" [رواه مسلم].
الجنة درجات وأعلاها الفردوس
عن أبي سعيد الخدريـ رضي الله عنهـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تراؤن الكوكب الدري الغابر في الأفق لتفاضل ما بينهم قالوا:يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم، قال: بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين" [رواه مسلم].
أهل الجنة في أمن ورضوان
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك، فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أُحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا" [رواه مسلم].
الخلود وما أدراك ما الخلود!
الدنيا مهما بلغ الإنسان فيها من التمكين منها بالصحة والجاه والسلطان والمال فإنه ينغص عليه أنه غير مخلد فيتركه لغيره عما قريب (لو دامت لغيرك ما وصلت إليك)، ومن يعيش ألفا أو ألفين فلا بد من القبر، أما نعيم الجنة فلا ينقطع وفيه الخلود، قال تعالى (ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما) [الفتحـ 5]، وقال تعالى {ما عندكم ينفد وما عند الله باق}، ويحمد أهل الجنة ربهم على الإقامة الدائمة بلا منغصات، قال تعالى (وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب) [فاطرـ 35]، بل يجعل الموت على صورة كبش والله على كل شيء قدير، ثم يذبح الموت وينادي مناد يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت، وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ينادي مناد إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبتئسوا أبدا، فذلك قوله عز وجل (ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون)".
لا بد من الإيمان والعمل لدخول الجنة
قال تعالى (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون) [التينـ 6]، وفي سورة الواقعة قال تعالى {جزاء بما كانوا يعملون} فليست المسألة بالتمني والخلود إلى الراحة والكسل بل لا بد من العمل بطاعة الله فإن النبي صلى الله عليه وسلم هو وصحابته شمروا عن ساعد الجد واتجهوا إلى الله يطلبون رضاه والفوز بجنته فدعوا إلى الله وجاهدوا وصاموا فالجنة غالية وأحسن القائل:
يا سلعة الرحمن لست رخيصة
بل أنت غالية على الكسلان
يا سلعة الرحمن ليس ينالها
في الألف واحدا لا اثنان
فالمسلم يعبد ربه تعظيما له ومحبة له وطلبا لرضاه والنجاة من عقابه والفوز بجنته فإذا اجتمعت في قلبه هذه الأمور وصدقها العمل فقد حقق العبودية لله.
أهل الجنة ورؤية الله
عن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم" [رواه مسلم].
نسأل الله الكريم أن يدخلنا الجنة ولا يحرمنا رؤيته ويرزقنا الشوق إلى لقائه فمن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، وأن يغفر لنا ولجميع المسلمين.
عبد الرحمن بن ندى العتيبي
تاريخ النشر: الاثنين 16/10/2006
ابي تفاعل يــلآ